السبت، أبريل 02، 2011

الهروب إلى الله

الهروب إلى الله أتفقد الكائنات من حولي فأجدها في صراع مستمر للبقاء، كائنات بشرية، حيوانية، نباتية، تبحث عن وسيلة للاستمرار على سطح هذا الكوكب في سلام و آمان. هذا الكوكب أيضاُ هو كائن حيٌ يحاول البقاء و الاستمرار، مخلوقات من شتى الأنواع و الأجناس، تسعى لشئ واحد بلا مـُنازع ألا و هو البقاء، ربما لا تتناغم مع بعضها البعض في أحيان كثيرة، لكنها تستمر بطريقتها الخاصة بهيئتها و وظيفتها التي فطٌرها الله عليها، تتمسك بما تعرفه على مدار آلاف السنين بلا تنازل، مرونة أو هوادة في تحقيق هذا الهدف. عندما تـُمعن النظر إلى تلك المخلوقات الجميلة البغيضة، العميقة التافهة، المُلِهمة الضائعة، تتداخل عليك مشاعر و أحاسيس مختلفة، متفرقة جزئياً لكنها تشكل منظومة مكتملة تنصهر فتذوب في خليط رائع عجيب و ساحر يعطيك نشوة الحياة الصافية، لكنه يجلب لك في نفس الوقت إحساسا بالدونية. فلا ندري هل نحبه ؟أم نكرهه؟ هل نحنو عليه؟ أم نسحقه؟ هل نسمح له بالتغلـٌغل داخلنا ؟ أم نـُزيله بكل ما أوتينا من قوة؟ هل نـُقـٌر بوجوده ؟أم نرفضه تماماً ؟ من يستطيع اكتشاف تلك الإجابات الموجودة بداخلنا و المزروعة في كل الكائنات من حولنا ، إجابات تكمن في أعماق و حنايا مخلوقات الله المختلفة كل واحد منهم يعطينا المعرفة التي يملكها هو فقط ! فكل إجابة من كل مخلوق تترابط سوياً لتفكٌ رموز اللغز ! حلٌ الطلـٌسم اللانهائي الذي يجمع الأرض و مخلوقاتها و كائناتها منذ بداية الحياة ، هل ندري من يملك الجزء الخاص بكل شفرة تحتويها، تحمله تلك المخلوقات؟ أهي السماء بوابة الملأ الأعلى الفيروزية، أم البحر سفينة كل مسافر يعبر لدار الحق. أو الرياح وسيلة الاتصال للمجهول، بمشارق الأرض و مغاربها، ربما تكون الجبال أوتاد الأرض التي تـُثبتها في أرجاء الكون الرحب، عله السحاب ساحة لعب الأمطار و الندى، البرق و الرعد!. نحن محاصرون بكل الإجابات التي ترفعنا بأجنحة لحالة مختلفة عن حالتنا البشرية، لكننا نرفض الرُقي بأنفسنا و بالحب الذي أوجده سبحانه فينا، كلغة كونية للوحدانية ، نستطيع به فهم كل الرموز و الألغاز المُبهمة في أرواحنا المسجونة داخل أجسادنا تطوق لكي تـُحـلٌق بعيداً في فضاء و ملـٌكوت الله الفسيح ، تهرب إلى الغيب الذي لا تعرفه أو تفهمه، لكنها تشتاق إليه لأنه في النهاية هروب من سجن النفس ، منفى الوجود البشري في صورة جسد من لحم و دم فانِ، هالك، يتحللٌ في التراب. فهل نسمح معاً بالتواصل لفهم لغة التخاطب الكوني لكائنات و مخلوقات الله ، المتناغمة بالرغم من اختلافاتها البيولوجية و الوظيفية ،لكنها في النهاية تستجيب لفطرتها الأساسية، تتعانق بلغة الكون السرمدي حب و طاعة الله، الإجابة منتشرة في جنبات الكون ، تستجدينا من داخل أنفسنا لكي تنقلنا إلى أفق الحرية المضيئة بنور الحق إلى وطن لم يذهب إليه أحد و لكنه وطن المشردين و الضائعين، الباحثون عن الحقيقة المـُجردة، السعادة المـُطلقة، سلام الإرادة الحرة، الأرواح الطليقة، الحب الأبدي، النور الساطع على امتداد كل الأبعاد لا مفرّ سوى لملاذك، كل الاتجاهات تشير لحماك، كل الطرق هي صراطك المستقيم أين نختبئ ! سنهرب إليك يا الله لنور وجهك العظيم يا ذا الجلال و الإكرام.

باب المزار

ذهبت في اجازة العيد الكبير إلى بلدي بني مزار التي أستقر بها والدي و اسرته كلها منذ سنوات عديدة، جلست أسامر ابنة عمتي التي سألتها عن موطن رأس الأسرة الفعلي ، فقالت لي انهم اصلا من البهنسا. ثم بدأت تحكي عن تلك المدينة الفريدة من نوعها التي شهد ترابها قدوم السيد المسيح مع والدته السيدة مريم و أحتما أثناء سفرهم الطويل تحت شجرة على ربوة في تلك المدينة على البر الغربي. عرفت حكاية تلك المدينة الرائعة التي شهدت موقعة فريدة أثناء فتح عمرو بن العاص لمصر، كانت من اكبر الحاميات الرومانية في الصعيد كله ، لذلك أرسل بن العاص سنة 22 هجريا جيش قوامه ثمانية آلاف معظمهم من الصحابة و منهم سبعين صحابيا ممن حضروا غزوة بدر مع الرسول الكريم. تقول الروايات ان المصريين الأقباط ساعدوا جيش المسلمين بقيادة قيس بن الحارث، في حصار الحامية ذات الأسوار العالية و قاتلا معا بشدة و ضراوة لفتح هذا المعقل الكبير الذي سيقودهم لفتح الصعيد باسره. توفى من المسلمين خمسة آلاف من بينهم زوجات و أبناء الصحابة وتوفى كثير من المصريين الأقباط معهم في نفس الموقعة ، هناك على تلك البقعة المباركة دفن هؤلاء الشهداء جميعا جنبا إلى جنب. في البهنسا غربا بجوار مسجد «علي الجمام» تقع جبانة المسلمين التي يوجد فيها وحولها القباب والأضرحة التي تنسب للصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا المدينة في أوقات سابقة. كانت بلدتي بني مزار تسمى اصلا باب المزار لأنها تقع على أعتاب تلك البقعة المباركة من أرض الشهداء و مدخل البهنسا ، تحوي أرض مصر كلها سمة الطهارة لما حلّ عليها من رسل و تابعين و صحابة أرتحلوا بين أراضيها ، أحتموا بأهلها ، أستأنسوا بطيبة شعبها ، بالحب الذي يطفو فوق مياه نيلها. فرفقا بها و حنانا لمن قتلوا و عاشوا في سبيل أرضها ، و سلاما على خيرة ابنائها من دفعوا أرواحهم فداءا لنصرة حريتها و كرامة اهلها ، من كانوا و سيظـلّوا خيرة أجناد الأرض فوق ربوعها. فأدخلوها بسلام آمنين أو أرحلوا بشرّكم الدفين و كيّدكم المكين فنحن في رباط إلى يوم الدين.